جنين.. تعليم في عين النزوح

جنين.. تعليم في عين النزوح
تعرض نازحات من مخيم جنين تجاربهن مع التعليم في عام عصيب وطويل، ويسردن شهادات ثقيلة الظل.
وتقدم أمهات وجامعيات وخريجات تفاصيل محنتهن خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 21 كانون الثاني الماضي، والذي أخرج 7 مدارس في محيط مخيم جنين عن الخدمة، وأقفل قسرا أبواب مديرية التربية والتعليم ونوافذها.
وتشارك النازحات في ندوة حملت عنوان “مدى استجابة قطاع التعليم لاحتياجات الطلبة النازحين وإعمال الحق في التعليم”، نظمتها الهيئة الاستشارية لتطوير المؤسسات غير الحكومية بالشراكة مع الائتلاف مع أجل النزاهة والمساءلة (أمان).
انتكاسة وتحصيل
وتسرد أميرة قطنة، الأم لأربعة أطفال، معاناتها مع النزوح الذي تسبب في تدني مستوى التحصيل لأطفالها، والصعوبات الناجمة عن التعليم الإلكتروني ومتطلباته.
وتؤكد أن فقدان بيت العائلة، واختلاف البيئة على أبنائها جعل خسارة العائلة مضاعفة، ولم تقتصر على الجانب المادي بل تسببت في انتكاسة لأولادها وتراجع تحصيلهم بشكل كبير.
وتلخص منتهى عبد الحق، الأم لطفلين، والتي انتقلت من بيت عائلتها قسرا إلى حي الهدف، إلى صعوبة قدرتها على توفير جهازي هاتف أو حاسوب لوحي لولديها، ما دفعها إلى استحداث “مناوبات” بينهم؛ في محاولة لتعويض غيابهم عن مدارسهم في مخيم جنين.
وتنسج الأم دعاء أبو ديب النازحة مع زوجها وأطفالها الثلاثة، تراجع ابنتها من الترتيب الأول في صفها إلى تصنيف غير مرض، وحالة نفسية صعبة.
وتلخص التغيرات التي عصفت بأولادها، فقدت تغيرت مدارسهم، وخسروا كتبهم وحقائبهم وكل تفاصيل بيتهم، وأصبح عليهم الانتقال إلى مدارس جديدة بعيدة.
وتؤكد أبو ديب أن زوجها، الذي كان يعمل في أراضي الـ 48، يعجز عن توفير احتياجات المدرسة لأولاده، وسيعصب عليه تسجيل صغيرته في روضة؛ لجيوبه الفارغة.
امتحان بالنار
وتنثر جنان أبو ندى الصعوبات التي وقفت في طريقها، فقد حاولت الوصول إلى جامعة القدس المفتوحة، غير البعيدة عن مخيمها، لكن رصاص الاحتلال قطع طريقها، ومنعها من تقديم الامتحان.
وتستذكر بأن زخات النار حالت دون وصولوها في موعد الامتحان، فعادت أدراجها دون أن تقدم اختبارها في زمانه ومكانه.
وتشير دارسة القانون في الجامعة العربية الأمريكية، آية عبد الحق، إلى أنها فقدت مكتبتها الخاصة ببيت عائلتها في مخيم جنين، وانتقلت إلى سكنات “العربية الأمريكية”، وبدأت دراستها وتحصيلها بالتراجع.
وتفيد بأنها فقدت غرفتها الواسعة، وأصبحت تشارك الحيز الصغير مع والدها ووالدتها وجدتها وإخوتها السبعة.
وترسم لوحة تقديمها لامتحان إلكتروني، عندما كانت نازحة إلى أحد البيوت في حي الجابريات، ووقتها ظهرت في اختبارها الإلكتروني صور آليات الاحتلال الثقيلة، التي كانت تقطع الطريق وتسمم حياة المواطنين.
خسائر ثقيلة
وتصف صمود بواقنة، التي نزحت من المخيم واستشهد والدها أما بيت عائلته، أوضاع النزوح. وتشير إلى أنها تلتحق بجامعة بيرزيت، لكن الظروف التي أعقبت الحصار قلبت حياتها رأسا على عقب.
وتؤكد بواقنة أنها دخلت في حال نفسي صعب، وتسبب ذلك في تدني تحصيلها، وفقدان لبيتها ولوالدها.
وتلخص براءة لحلوح، التي نزحت إلى وادي برقين أن خسارة البيت وحقائب الأبناء وكتبهم والوضع النفسي الصعب والحال الاقتصادي المتعثر، والغموض الذي يلف مستقبل السنة الدراسية يجب أن يدفع “التربية والتعليم” إلى عدم المطالبة بالتبرعات المدرسية والإعفاء من ثمن الكتب والزي والحقائب وغيرها.
مدارس مقفلة
وتتطرق رئيسة قسم الإشراف في التربية والتعليم، ختام حمارشة، إلى الصعوبات التي فرضها العدوان على المدينة ومخيمها، إذ أجبرت المديرية على إخلاء مقرها، والاقفال القسري لسبع مدارس في أطراف المدينة والمخيم.
وتبين أن المديرية تنقلت بين عدة أماكن في تربية قباطية، وبلدية برقين، ويعبد، وتعمل في ظروف قاسية.
ووفق حمارشة، فقد تابعت المديرية النازحين وفتحت مدارسها لاستيعابهم في برقين وجلقموس ودير أبو ضعيف، ووضعت خطة طوارئ وخلية أزمة من 7 أعضاء على رأسهم مدير عام التربية والتعليم طارق علاونة.
وتشير إلى أنه رغم الصعوبات الكبيرة، إلا أن نتائج الثانوية العامة كانت ممتازة على مستوى الوطن، كما حققت المديرية إنجازات في المسابقات والأنشطة المختلفة كتحدي القراءة العربي، وأولمبياد الرياضيات.
ويؤكد رئيس اتحاد الأشخاص ذوي الإعاقة في جنين، محمد العمور، أن مدارس الجنان للصم، والنور للمكفوفين، والأمل للتربية الخاصة منيت خلال الاجتياح المتواصل بالكثير من الخسائر، لكن غاب عن الاهتمام والرعاية.
كفاح تعليمي
ويشير إلى وجود 198 نازحا مسجلين في الاتحاد، بينهم 70 طالبا، لكن لم تخصص لهم رعاية، ولم توفر لهم احتياجاتهم الخاصة خلال العدوان المتواصل.
وتبين مديرة مدرسة ذكور جنين الثانية في مخيم جنين، سلام العمري، أن 3 من أصل 10 طلبة تسبب الاجتياح في تضرر دراستهم، ولكن منذ 8 كانون الأول 2024 خلق واقع صعب في مخيم جنين، وتأزم جراء النزوح في 21 كانون الثاني.
وتؤكد أن 1561 طالبا نزحوا من المخيم، تمكنت مدارس الوكالة من إعادة 1170 منهم إلى مدراس بديلة، ضمن خطة إنعاش ودعم نفسي وتوفير مدارس جديدة ومواصلات ووجبات طعام، بعد تدخلات تعليم عن بعد، وتصميم منهاج بديل؛ للتعويض عن الفاقد التعليمي.
وتشير العمري إلى أن الأوضاع النفسية للطلبة النازحين كانت صعبة للغاية، وأكد لها أحد الأطفال أنه فقد 24 من أقربائه، في وقت تضم بلدة برقين لوحدها نحو 600 طالب نازح.
ويعرض ممثل جامعة القدس المفتوحة، منذر زيود، الصعوبات التي أحاطت بالجامعة وبكلية يبوس التطبيقية، حديثة النشأة.
ويتحدث عن التعليم الإلكتروني، وتعطل الجامعة، وحرمان المحاضرين والطلبة من الوصول إلى حرمها.
حقوق وثوابت
وتبين رئيسة مجلس إدارة “الهيئة الاستشارية”، فرحة أبو الهيجاء، أن جنين ومخيمها وريفها مصممة على الاستمرار في حقها التعليمي، وبالرغم من الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها، إلا أنها تواصل رسالة التعليم في حالة الطوارئ.
وتؤكد أن الطلبة النازحين وأهاليهم يعيشون في حالة توتر اليوم، ويكتنف الغموض مصير أمكنة افتتاح العام الدراسي لهم؛ بفعل استمرار العدوان منذ نحو 7 أشهر.
ويشدد منسق تعاونية جنين التعليمية، عبد الله جرار، الذي يَسّر الحوار، على أهمية متابعة التساؤلات التي طرحها النازحون مع جهات الاختصاص.
فيما يؤكد المحامي والنازح أحمد حواشين أن 20 ألف نازح من المخيم يتوزعون اليوم على 3 مناطق رئيسة: المدينة وبعض الأحياء، والقرى والبلدات، ومراكز الإيواء في سكنات الجامعة العربية الأمريكية.
ويشير عضو الهيئة الاستشارية للائتلاف والحملة العربية للتعليم، ومنسق تعاونية تعلم وتعليم الكبار، نسيم قبها، إلى أن الورشة تلتئم على بعد أمتار من قنابل غير متفجرة، بعد أن تفجر الكثير، ودمر الكثير من الإنسان والتعليم.
ويشدد على أن النقاش يكرس للمطالبة بنهج شامل في التعليم الالزامي، يركز على ضمان الإتاحة والوصول والتكيف والاعتراف بأن الاحتلال يشكل العقبة الأكبر.
ويقول إن الواقع الصعب يتطلب مضاعفة جهود المؤسسات الرسمية والأهلية باعتبار التعليم مسؤولية الجميع، ولضمان تعليم جيد وشامل لكل طفل، كحق أساسي غير قابل للتفاوض، وأداة حيوية لبناء المستقبل.
ويبين قبها أن النقاش مساءلة ذاتية حول مدى استجابتنا للتحديات، ومساءلة ليس للانتقاد بل لاستخلاص العبر، ولتدشين عام دراسي جديد، في ظل نزوح مستمر للطلبة وذويهم، باعتبار النزوح مسؤولية جماعية رغم أننا نتلقاه ولا نفعله.